على الرغم من قيام العديد من العلماء والخبراء في العالم بتجارب من اجل انتاج مطر اصطناعي، الا ان النتائج حتى الان مازالت في دور الحضانة
المطر هو امنية كل مزارع عندما يشعر بان الجفاف يهدده والخطر الاكبر ان لا يتوفر للانسان ما يكفيه من اجل سد الظمأ، فمنسوب مصدر مياه الشرب في العالم بتراجع متواصل ايضا في الابار الجوفية والتحديد في العالم العربي. وتتحدث الكثير من مراكز الابحاث في الغرب عن حروب المياه في المستقبل. فالانهار والينابيع في العالم تتعرض لتغييرات مناخية نتيجة للتجارب التي تقوم بها الدول المالكة للاسلحة المدمرة او نتيجة لعمليات قطع الاشجار في الغابات مثل غابات الامازون، ما يعني خطر تراجع كميات المياه الموجود فوق الكرة الارضية. ودفعت تلك الاوضاع الخطيرة الانسان الى ان يحلم بان يتمكن في يوم من الايام من صناعة غيوم تسبب هطول الامطار التي يريدها وفي الوقت الذي يرغب.
وهذا الامنية التي تعد تحديا للطبيعة ليست جديدة حيث راودت مخيلة الباحثين قبل اكثر من 60 عاما وشغلت ولا تزل بال علماء الطبيعة والظواهر الجوية والباحثين في علم خصائص المياه وتوزيعها فوق سطح الارض. واليوم يفكر العلماء بطرق منها تعديل تكوين الغيوم، اي معالجتها بواسطة ما يسمى باللقاح بهدف تفادي تساقط البرد كبير الحجم او حدوث خسائر وخراب بسبب هبوب العواصف، لكن الوظيفة الاهم التي يتوقعها الانسان من هذا التعديل هي امكانية التأثير على الغيوم نفسها لكي تسقط كميات اكبر من الامطار.
وفي حديث مع البروفسور والعالم في الظواهر الجوية البرليني كلاوس ديتر بيهيغ عن الوسيلة الانجح للتأثير على الغيوم، او بالتحديد كيف يمكن للانسان تغيير خصوصية الغيوم والتحكم بها لكي تكون محملة بكميات اكثر من المطر؟
فقال نحن نعلم ان الغيمة تتكون من ملايين القطيرات الصغيرة جدا وجزيئات او ذرات من الثلج التي تكون اما على شكل برد اوندف الثلج، وتنمو تكبر نتيجة امتصاصها بخار الماء والاصدامات التي تحصل بينها، فاذا كانت الغيوم كبيرة بما فيه الكفاية نتيجة لهذه العوامل تتساقط على الارض كامطار غزيرة، ويتشكل في الحالات القصوى برد كبير الحجم، واكبر حجم للبرد عرف حتى الان ذلك الذي سقط في نبراسكا في 22 من شهر يونيو عام 2000 وكان بحجم كرة القدم وبقطر وصل الى 18 سنتم.
وكما تظهر القياسات النظرية، يتحكم حجم القطيرات والجزيئات الموجودة في الغيمة بحجم تلك التي تتشكل منها فيما بعد وتؤدي في النهاية التى تساقط المطر.وعليه يجب التحكم بحجم هذه العناصر وتغييرها من اجل التأثير على كميات المياه التي تسقط.
ويضيف البروفسور بيهينغ القول يتم كل يوم تغيير الحجم، فجزيئات صغيرة جدا من الغبار، تسمى جزيئات AEROSOL اي الهباء الجوي، يحركها هبوب عاصفة او رياح قوية ويرفعها من الارض الى اعالي السماء، حيث تتحول الى بذور ذات طاقة تدفع ببخار الماء في الغيمة كي يتحلل عن جزيئاته، وتساعد ايضا على تكوين نقاط المطر. وتقوم بهذا الدور فوق البحار جزيئات المياه المالحة، ولان هذه الجزيئات الصغيرة مختلفة الحجم فهي تساهم في تحديد حجم القطيرات في الغيمة وكبرها. ويمكن تغيير هذه المعالجة المرتبطة بالملايين من الجزيئات الصغيرة عن طريق تعريض مناطق من السماء يتوقع ان تمتلئ بالغيوم او مغيمة الى جزيئات من صنع الانسان ويسمى هذا الاجراء التطعيم اوالتلقيح بهدف التمطير.
لكن اي جزيئات يجب استخدامها؟
يرد البروفسور الالماني بالقول هنا علينا ان نفرق ما بين الجزيئات الاصطناعية التي تمهد لتساقط الثلوج وتلك التي تؤدي الى تكوين قطيرات سائلة. ففي الماضي اتبع العلماء كلا الاسلوبين واستخدموا اشكالا مختلفة من الجزيئات المصطعنة، فاستعانوا في احد الاختبارات بيوديد الفضة الذي ذُوب في محلول الاسيتون لتذره الطائرات بعد تحليقها فوق الغيوم، ويعود سبب فكرة الجوء الى يوديد الفضة الى ان تريكيبته البلورية تشبه كثيرا تركيبة الثلج البلورية، فحصلوا على نتائج ايجابية وصنعوا بالفعل مطرا في مكان ما في العالم . لكن تجارب اخرى لم تثمر عن اي شيء والسبب في ذلك ما زال غير معروف.
وبطريق الصدفة تم اكتشاف نوع اخر من الجزيئات وذلك عندما لاحظ علماء المان واميركيين في الظواهر الجوية في جنوب افريقيا ان نسبة المطر فوق منطقة معينة عالية جدا مقارنة مع مناطق اخرى، واتضح لهم بعد ذلك وجود مصنع لصناعة الورق، فالجزيئات التي تخرج من مداخن المصنع كان لها تأثير كما يبدو على تكوين غيوم المطر.
وهذه النتيجة التي رفضها في البداية العديد من العلماء عادوا واعترفوا بصحتها وانتقلت نفس الاختبارات الى شمال المكسيك وتايلندا، حيث انشأت مصانع ورق على مساحات كبيرة من اجل زيادة كمية الحزئيات التي تنبعث من المداخن وتختلط بالغيوم لترفع من كمية الامطار، ويبدو ان النتائج واعدة.
لكن هل لهذه التجارب شأن، وهل يمكن تكرارها في مناطق اخرى في العالم؟
يقول البروفسور البرليني انه سؤال محق ويلقي في نفس الوقت الضوء على مشكلة تحديد تغيير خصوصيات الغيوم، لان طبيعتها كما هو معروف متقلبة ومتغييرة جدا. فهناك غيوم متراصة ومترابطة مع غيوم اخرى، ومنها غيوم مطر لا تحتوي اخرى على نقطة واحدة من الماء، وفي الكثير من الاحيان تتلبد فيها السماء دون هطول امطار واحيانا يكفي وجود غيمة واحدة لتسبب هطول امطار كثيرة.
ومن اجل القيام بتجربة مضنية والحصول على نتائج ولو بحد ادنى يجب تلقيح اكبر كمية من الغيوم في اماكن مختلفة وفي اوقات مختلفة ايضا وقياس كمية المياه التي تمطر بعد ذلك ثم مقارنتها مع المناطق التي لم تطعم الغيوم فيها، وهذا تجربة باهظة الثمن ولا يوجد عنها معلومات مفصلة حتى الان. كما وان العلماء لا يعرفون باي شكل يجب تطعيم الغيوم وكم هي الكمية، مما يؤكد ان صناعة المطر او تحسين نسبة الامطار اصطناعيا يحتاج الى بحوث طويلة.